سورة الشعراء - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(31)}
انظر إلى تعارض فرعون مع نفسه، فكان عليه ساعةَ أنْ يسمع من موسى هذا الكلام أنْ يُصر على سجنه، لكن الحق تبارك وتعالى يريد أنْ يُظهر حجته، فيجعل فرعون هو الذي يطلبها بنفسه {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الشعراء: 31] وما كان لموسى أن يأتي بآية إلا أنْ يطلبها منه فرعون.


{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32)}
إلقاء العصا له في القرآن ثلاث مراحل: الأولى: هي التي واكبتْ اختيار الله لموسى ليكون رسولاً، حين قال له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} [طه: 17] وقلنا: إن موسى عليه السلام أطال في إجابة هذا السؤال لحرصه على إطالة مدة الأُنْس بالله عز وجل فقال: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [اطه: 18].
فالعصا في نظر موسى عليه السلام عود من الخشب قريب عهد بأصله، كغصن في شجرة، لكنها عند الله لها قصة أخرى: {قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} [طه: 19- 20].
وما صارت العصا عصاً إلا بعد أنْ قُطِعت من شجرتها، وفقدت الحياة النباتية، وتحولت إلى جماد، فلو عادت إلى أصلها وصارت شجرةً من جديد لكان الأمر معقولاً، لكنها تجاوزتْ مرتبة النباتية، وتحولت إلى الحيوانية، وهي المرتبة الأعلى؛ لذلك فزع منها موسى وخاف فطمأنه ربه: {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} [طه: 21].
وكانت هذه المرة بمثابة تدريب لموسى عليه السلام؛ ليألف العصا على هذه الحالة، وكأن الله تعالى أراد لموسى أنْ يُجري هذه التجربة أمامه، ليكون على ثقة من صِدْق هذه الآية، فإذا ما جاء لقاء فرعون ألقاها دون خوف، وهو واثق من نجاحه في هذه الجولة.
إذن: كان الإلقاء الثاني للعصا أمام فرعون وخاصته، ثم كان الإلقاء للمرة الثالثة أمام السحرة.
ومعنى {ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء: 32] يعني: بيِّن الثعبانية، فيه حياة وحركة، وقال {ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء: 32] يعني: واضح للجميع؛ لأنهم كانوا يجيدون هذه المسألة ويُخيِّلون للناس مثل هذه الأشياء، ويجعلونها تسعى وتتحرك، ولم تكن عصا موسى كذلك، إنما كانت ثعباناً مبيناً واضحاً وحقيقياً لا يشكّ في حقيقته أحد.
والمتتبع للقطات المختلفة لهذه الحادثة في القرآن الكريم يجد السياق يُسمِّيها مرة ثعباناً، ومرة حية، ومرة جاناً، لماذا؟ قالوا: لأنها جمعت كل هذه الصفات: فهي خفة حركتها كأنها جان، وفي شكلها المرعب كأنها حية، وفي التلوِّي كأنها ثعبان. والجان: فرخ الحية.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ}


{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ(33)}
هنا يتكلم عن نزع اليد؛ لأنه قال في آية أخرى: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} [القصص: 32].
وهكذا تتكامل لطقات القصة الواحدة، والتي يظنها البعض تكراراً، وليست هي كذلك.
{وَنَزَعَ} [الشعراء: 33] يعني: أخرج يده {فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: 33] مع أن موسى عليه السلام كان آدم اللون يعني فيه سُمْرة، ومع ذلك خرجتْ بيضاء، لها شعاع وبريق يأخذ بالأبصار.
وبمقارنة هذه الآية بآية سورة القصص نجد أنه حذف من آية سورة الشعراء الجيب، وهو فتحة الثوب من أعلى، لا الجيب المتعارف عليه، والذي نضع فيه النقود مثلاً، وكانوا في الماضي يجعلون الجيب بداخل ملابس الإنسان، ليكون في مأمن، فإذا أراد الإنسان شيئاً فيه مَدَّ يده من خلال الفتحة العليا للثوب، فسُمِّيتْ جيباً.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14